امتحانات الشهادة الثانوية في تعز.. حصاد لزرعٍ أكلتهُ جراد الحرب (تقرير)
- أكرم ياسين الثلاثاء, 24 مايو, 2022 - 05:41 مساءً
امتحانات الشهادة الثانوية في تعز.. حصاد لزرعٍ أكلتهُ جراد الحرب (تقرير)

[ امتحانات الثانوية العامة في تعز ]

بإستثناء غياب الإجراءات الإحترازية من فيروس (كوفيدا-19) هذا العام، لا شيء تغير في مناخ وظروف أداء الآلاف من طلاب وطالبات المرحلة الثانوية لامتحاناتهم النهائية في المحافظات المحررة بصفة عامة ومحافظة تعز (جنوب غرب اليمن) المحاصرة منذ قرابة ثماني سنوات بصفة خاصة.

 

غياب جميع الكتب الدراسية لجميع طلاب المراحل التعليمية ومنها طلاب الصف الثالث الثانوي بقسميه العلمي والأدبي، والنقص الكبير في المعلمين المتخصصين، وتسيب وإهمال أغلب الإدارات المدرسية، بالإضافة للأوضاع الاقتصادية المتردية، والانعكاسات المُحبِطة للحرب تعد من أبرز المعوقات التي ألقت بظلالها القاتمة على العملية التعليمة في اليمن، كثبان الخراب والإحباط وتضاؤل الأمل في الحصول على تعليم ولو بحده الأدنى هي ما أجبر مئات الآلاف من طلاب اليمن للبحث تحت أنقاضها عن مستقبل دونه ألف عائق وحائل.

 

"الموقع بوست" زار عدد من المراكز الإمتحانية لطلاب وطالبات الصف الثالث الثانوي في ريف محافظة تعز، الذين بدأوا أداء امتحاناتهم النهائية للعام الدراسي 2021-2022 الأحد الموافق 15مايو/أيار الجاري، وتستمر حتى الأحد 5يونيو/حزيران القادم، وننقل لكم خلال هذا التقرير واقعاً تعليمياً سُلمه المكسر لا يقود سوى لغياهب التجهيل المغلف بشهادات زور مزخرفة.

 

مواد لم تدرس

 

"لم نأخذ درساً واحداً في مادة الكيمياء طوال العام وكذلك مادة الرياضيات، فكيف سنجيب على أسئلة لمواد لم نتشرف حتى بالتعرف على محتواها المقرر".. بهذه العبارات المحزنة لخصت الطالبة "مايسة علي سيف" من مجمع الشهيد أحمد سيف معاناتها وزملائها العوائق التي واجهوها خلال عامهم الدراسية الأخير من مرحلة التعليم الأساسي.

 

 

في حديثها لـ"الموقع بوست" تقول مايسة "لك أن تتخيل الحالة النفسية لطلاب يتقدمون لإمتحانات الشهادة الثانوية وهم يعرفون أنهم راسبون في مادة أو مادتين مسبقاً، وخاصة الطلاب المتفوقين، يدفعون ثمن تقصير الجهات الحكومية في توفير مدرسين لهم رغم قدرتها على ذلك من خلال التعاقد مع خريجي الجامعات العاطلين عن العمل الذين أجبرتهم الظروف المعيشية وانعدام الوظائف إلى التوجه لحراجات العمّال بحثاً عن مصدر رزق".

 

تضيف "حتى بقية المواد الدراسية التي توفر معلموها لا يوجد الكتاب المدرسي، وعندما كنا نطالب مدير المدرسة بتوفير الكتاب المدرسي يقول لنا: أن مكتب التربية لم يسلم لهم أي كتاب مدرسي بذريعة أن مطابع الوزارة مغلقة رغم أن مدير المدرسة يأخذ من كل طالب رسوم مالية مقابل توفير الكتاب المدرسي".

 

وعبرت عن أسفها الشديد أن يذهب جهد الطالب طوال عام دراسي كامل هباء ويضيع مستقبله بسبب إهمال الجهات الحكومية المعنية في وزارة التربية والتعليم.

 

من جهته شرح الطالب "موسى علي أحمد" من مركز فجر صدان الإختباري معاناته هو وزملاءه طلاب وطالبات الصف الثالث ثانوي بقوله: "لم نحصل خلال هذا العام على الحد الأدنى من التعليم، فلا كتب دراسية متوفرة واضطر أغلب الطلاب لشرائها من محلات التصوير وبسعر يتراوح بين 200 و2500 ريالاً لكل كتاب وهي رديئة الإخراج، كما أن نقص المعلمين وإهمال بعضهم زاد الطين بلة".

 

وقال "لم ندرس سوى وحدتين من مادة اللغة الإنجليزية وكذلك مادة الرياضيات، لأن الكثير من المعلمين أجبرتهم الظروف الاقتصادية المتدهورة وفقدان الريال اليمني قرابة 300% من قيمته أمام العملات الأخرى للبحث عن أعمال أخرى، الأمر الذي أثر بشكل كبير على التزامهم بدوامهم في المدارس وحرم طلابهم من الحصول على حقهم في التعليم".

 

للغش منطقه وأساليبه

 

 ظاهرة التجمهر للمسلحين حول المراكز الامتحانية وتدخل بعض النافذين والوجاهات أثناء سير عملية الإمتحانات بغرض السماح بعملية الغش وكذلك من بعض الأهالي وذوي الطلاب المُمتحِنين، وأيضاً جمع مبالغ مالية من الطلاب مقابل السماح لهم بعملية الغش من قبل المراقبين على الإمتحانات ظاهرة تميزت بها اختبارات الشهادة الثانوية في اليمن بشكل خلال السنوات الماضية، لكننا لاحظنا خلال نزولنا الميداني لبعض المراكز الامتحانية في مديريات ريف محافظة تعز إنحساراً ولو بشكل نسبي لتلك الظواهر، وإن لم تختفي بصورة نهائية، حيث سجلت مديرية الشمايتين مرتبة متقدمة في الحد من تلك الظواهر السيئة.

 

 

فهذا السُلم البشري الذي تشاهدونه في الصورة ليس عملية إجلاء طارئه لعالقين في المبنى حياتهم في خطر، ولكنها مع الأسف إحدى الطرق المتبعة في الكثير من المراكز الإمتحانية في  ريف محافظة تعز لإيصال إجابات الأسئلة (براشيم الغش) للطلاب الممتحنين من قبل مجاميع لا يخلوا أي مركز امتحاني منها، وبتواطؤ أفراد اللجان الأمنية المكلفين بحماية المراكز الإمتحانية.

 

تتعد أساليب وطرق ممارسة آفة الغش وقد يتم الإستعانة حتى بالحمير، والهدف واحد ممارسة أساليب الغش الذي حولته سنوات طوال من الفساد المتجذر في المرافق التعليمية إلى حق مكتسب يجب أن يناله طالب لا يدرك عواقبه الوخيمة على مستقبله.

 

لمسنا خلال زيارتنا للكثير من المراكز الإمتحانية إصراراً لابأس به من قبل رؤساء اللجان الإمتحانية، لكن إصرارهم ذلك يتسرب بين حشود مجاميع تتمنطق السلاح والبلطجة وتطوق كل مركز إمتحاني وتقتحم أسواره.

 

إمتحانات على بركة الله

 

التربوي خالد الزكري رئيس أحد المراكز الإمتحانية في مديرية الشمايتين، قال إن امتحانات هذا العام تختلف عن الأعوام السابقة من خلال حسن التنظيم وفرض اجراءات صارمة لمنع كل السلبيات التي تعكر أجواء الإمتحانات وخصوصاً ظاهرة الغش والتجمهر حول المراكز الإمتحانية

 

في حديثه لـ "الموقع بوست" يتابع الزكري بالقول "رغم الانعكاسات المدمرة للحرب على الطلاب وأسرهم ومعلميهم نفسياً واقتصاديا إلا أن المديرية وبجهود جبارة لمدير مكتب التربية محمد علي المعمري استطاعت أن تتغلب على الكثير من المعوقات والمظاهر السلبية التي عرفت بها عملية الإمتحانات في السنوات السابقة.

 

وأردف "لقد حرص مدير التربية في المديرية على إختيار رؤساء اللجان الإمتحانية من التربويين المشهود لهم بالنزاهة والكفاءة وتوجيهاته الصارمة لهم بمكافحة ظاهرة الغش تحت أي مبرر، ومنع الطلاب والطالبات من اصطحاب الهواتف النقالة إلى لجان الامتحان، وكذلك منع أخذ أي مبلغ مالي من الطلاب مقابل السماح لهم بممارسة الغش ومواجهة أي ضغوطات من النافذين والوجاهات الإجتماعية بالسماح بعملية الغش في الإمتحانات".

 

وعبر الزكري في ختام حديثه عن تفاؤله الكبير ورضاه عن سير عملية الإمتحانات لهذا العام رغم الظروف الأمنية والاقتصادية التي تعيشها اليمن موجها شكره لكل من ساهم في تهيئة جو إمتحاني مناسب للطلاب.

 

ورقة إمتحان

 

معلوم لدى الجميع أن نجاح أي مسئول حكومي في مهامه أمر ملزم خصوصاً إذا توفرت له كل عوامل وإمكانيات النجاح، بيد أن ما شاهدناه أثناء زيارتنا لأكثر من مركز إمتحاني في مديرية الشمايتين من التقيد الصارم بقوانين سير العملية الامتحانية وغياب شبه كلي للظواهر المسيئة لتلك المهمة الوطنية والأخلاقية ومقارنتها بمراكز إمتحانية في مديريات مجاورة، دفعنا للإشادة بمدير مكتب التربية محمد علي المعمري الذي تجاوز إمتحان العوائق والمثبطات بنجاح جدير بالشكر والإشادة.

 

 

وبشأن شكاوي بعض الطلاب وأبرزها عدم دراستهم لبعض المواد الدراسية وعدم توفر الكتاب المدرسي يقول محمد المعمري: "أي مادة لم تدرس للطلاب خلال العام الدراسي يتحمل مسئوليتها مدير المدرسة، لأننا كنا حريصين منذ بداية العام الدراسي على توفير المعلمين من خلال التعاقد مع خريجي الجامعات العاطلين والمدرسين النازحين من محافظات أخرى وبمساعدة بعض المنظمات الإغاثية".

 

وأضاف "كل مدير مدرسة تقدم إلينا بطلب توفير مدرس لأي مادة وفرنا له المدرس، أما تحجج الطلاب بعدم دراسة مادة أو مادتين أثناء الإمتحانات مرفوض"، كما تعهد بالتحقق من مصداقية تلك الشكوى واتخاذ الإجراءات القانونية بحق مدير المدرسة ومحاسبته على إخلاله بواجبه.

 

وحول شكوى جميع الطلاب من عدم توفر الكتاب المدرسي كأهم وسيلة للتعلم، عبر المعمري مدير إدارة التربية بمديرية الشمايتين بريف محافظة تعز عن أسفه العميق لتقاعس الحكومة الشرعية ووزارة التربية والتعليم عن توفير الكتاب المدرسي للطلاب في المناطق المحررة بعد سيطرت المليشيات الحوثية الإنقلابية على العاصمة صنعاء حيث توجد مطابع الكتاب المدرسي التي أوقفت عملها المليشيات الحوثية كغيرها من المؤسسات، وقامت تلك المليشيات بتحريف المناهج بما يتوافق مع فكرها السلالي.

 

وحمل المعمري وزارة التربية والتعليم مسئولية إنعدام الكتاب المدرسي والتي اكتفت بنشر رابط على الإنترنت مخصص للمناهج الدراسية وتوزيعه على المدارس وهي تعلم أن أغلب الطلاب لا تتوفر خدمة الإنترنت لديهم وخاصة في الأرياف.

 

تظهر هذه الوثيقة المرفوعة من مدير إدارة التربية بمديرية الشمايتين إلى مدير عام المديرية تكلفة عملية نقل الأسئلة لقرابة 12 مركزاً امتحانيا، بعضها في عزل نائية والمقدرة بخمسة مليون وثلاثمائة وخمسة وخمسون الف ريال والتي اعتذر مدير المديرية عبدالعزيز ردمان عن تقديمها بحجة أن ميزانية الإمتحانات مركزية ولا علاقة للسلطات المحلية بها بحسب ما قاله لـ "الموقع بوست" في اتصال هاتفي، مكتفياً بتقديم الحماية الأمنية للمراكز.

 

ووفقاً لمدير عام الإختبارات بمحافظة تعز محمد صالح الشرعبي فإن قرابة 24 ألف طالب وطالبة يؤدون امتحانات الثانوية العامة موزعين على (186) مركزا اختبارياً في (18) مديرية محررة بمحافظة تعز، التي نال التعليم ومرافقه فيها نصيب الأسد من دمار الحرب والإهمال الحكومي.

 


التعليقات