إجراءات حظر الإختلاط.. قمع يرفضه طلاب جامعة صنعاء (تقرير)
- مبارك الباشا الثلاثاء, 01 فبراير, 2022 - 05:53 مساءً
إجراءات حظر الإختلاط.. قمع يرفضه طلاب جامعة صنعاء (تقرير)

[ جامعة صنعاء ـ ارشيف ]

تواصل جماعة الحوثي ممارسة الوصاية على العملية التعليمية في جامعة صنعاء وتضييق الخناق على الطلاب بفرض لوائح جديدة على نشاطاتهم وتحركاتهم داخل الجامعة؛ تتمثل في إجراءات منع الاختلاط بين الطلاب والطالبات وفرض حالة من الفصل النهائي بين الجنسين تشمل مشاريع وحفلات التخرج وحظر النقاشات وكافة أشكال التواصل في ساحة الكليات، تحت ذريعة صون الأخلاق والقيم الدينية.

 

وتسبب الحظر بحالة واسعة من الغضب والاستياء بين طلاب جامعة صنعاء، وفي هذا الاستطلاع نرصد آراء عدد من الطلاب حول ما يعدونه فعلا قمعيا تفرضه الجماعة ضدهم عن طريق كيانيها السلطويين، أمن الجامعة، وما يعرف بـ"ملتقى الطالب الجامعي"، المناط بهما تأدية دورا رقابيا ضد الطلاب وممارسة وصاية أخلاقية عليهم.

 

قمع تحت غطاء ديني

 

البداية مع الطالب في كلية الهندسة عبدالفتاح العوني، الذي يُعرب في تصريح لـ"الموقع بوست" عن استيائه الشديد تجاه الوصاية التي يفرضها الحوثيون على الطلاب، معتبرا إياها أحد وسائل القمع التي تمارسها الجماعة ضد التعليم الجامعي بقصد فرض الهيمنة وإخضاع الجامعة التي تمثل تحديا ثقافياً وسياسة لسلطتها الراديكالية.

 

ويرى العوني أن الحوثيين يسعون من خلال إجراءات عدم الإختلاط بين الطلاب والطالبات؛ إلى تكريس نفوذ سياسي وثقافي دائم داخل الجامعة أكثر من حرصهم على الأخلاق التي يدّعون الحفاظ عليها، لافتا في ذات الوقت إلى أن إجراءات منع الاختلاط تشير إلى الطريقة التي تسعى الجماعة من خلالها إلى حكم اليمنيين، المتمثلة في الديكتاتورية المطلقة وإخضاع كل شيء لسلطتها الخاصة.

 

فالأمر أكبر من مجرد وصاية أخلاقية ضد طلاب، يقول العوني، بل سلوك يجب أن يخيف الجميع لما يمثله من هدم للحريات والقيم الإنسانية، وبما يوحيه من ظلام ورجعية قد يسودان مستقبل شعب بأكمله.

 

مخاوف

 

أما محمد العماري، الطالب في كلية الإعلام، فيبدو محبطا بسبب منع الاختلاط ومتشائما بشأن المستقبل الذي ينتظر جامعة صنعاء في ظل حكم جماعة أوليجاركية كالحوثيين. ويتحدث في تصريح لـ"الموقع بوست"، أن ذلك الإجراء يثير حساسيته على نحو خاص بصفته طالب إعلام ومشروع صحفي مستقبلا، بحكم أن الصحافة حقل لا ينشط إلا بتوفر الحرية. يضيف، ذلك مؤشر خطير على أن المستقبل لن يكون جيدا.

 

يقول العماري، إن حال الطالب الجامعي اليوم يماثل ما عليه الوضع في رواية "1984"، للروائي جورج أوريل، حيث دولة "الأخ الأكبر" والرقابة المُطلقة، إذ لم نكن نتوقع أبدا ونحن نقرأ الرواية أن الواقع قد يكون بمثل تلك القتامة، حيث الأنظمة الأوليجاركية وغياب الحرية الموحش. "إنها مُفارقة مريرة" يقول، أن ترتطم بواقع مُباغت لم تكن تجده سوى في الروايات وأفلام الديستوبيا القاتمة.

 

إجراء غير أخلاقي

 

من ناحيته، يرى الطالب في كلية الحاسوب فتحي عثمان، أن فرض إجراء منع الاختلاط بقصد الحفاظ على الأخلاق؛ هو سلوك غير أخلاقي بحد ذاته، لأنه يتنافى مع الحرية ومع الثقة والاحترام اللذان يحكمان العلاقة بين الطلاب والطالبات داخل الجامعة.

 

ويقول في تصريح لـ"الموقع بوست"، إن المناخ الطلابي داخل الجامعات في العموم يتسم بالسمو والرفعة، ومنع الإختلاط هو سلوك غير صحي وغير سليم، وسوف يتسبب بقطيعة سلبية إضافية بين الذكور والإناث في مجتمع مضطرب أصلا فيما يتعلق بالعلاقة مع المرأة، ويكافح للتخلص من الموروثات المعيقة للحياة على أمل اللحاق بركب التقدم الذي تتيحه الحرية.

 

ويؤكد عثمان أن جماعة الحوثي تسيء لطلاب جامعة صنعاء بإجراءات منع الاختلاط، فهي تلغي ما يعد سلوكا طبيعيا تحت مبررات غير منطقية ولا طبيعية وتتعاطى مع منتسبي الجامعة كقطعان شاردة وليس كطلاب أسوياء ذوي مسؤوليات علمية وأخلاقية.

 

حذر وترقب

 

وتسببت الرقابة المتزايدة والملاحقات التي ينفذها أعضاء "ملتقي الطالب الجامعي"، ذراع الحوثيين الأقوى داخل الجامعة؛ بحالة عامة من الذعر بين الطلاب، بحسب سميح أنعم الطالب في كلية التجارة، الذي يقول في تصريح لـ"الموقع بوست"، "أصبحنا في حالة خوف وتوتر دائمين، إذ تشعر أنك مراقب على الدوام وعليك توخي الحذر بشأن أبسط تصرفاتك".

 

يُبدي أنعم استغرابه تجاه ما يعتبره تصرفا أخرقا في قرار حظر الاختلاط بين الجنسين، ساخراً من فكرة أن يتحوّل لقاء طبيعي بين طالب وطالبة إلى جناية أخلاقية، معتبرا ذلك أمر في غاية العجب "أن تتحول الأفعال الطبيعية للإنسان في الحياة إلى جنايات تدينه".

 

يضيف: "إنها شمولية تتم تحت غطاء ديني، يسعى الحوثيون من خلالها لتطويق الحياة الخاصة بعد إحكام الخناق على الحياة العامة للناس، إنها نُذر مشؤومة وكارثية يجب أن تهزّ الجميع"، متسائلا، ما الذي ينتظرنا في المستقبل وينتظر الأجيال القادمة في ظل سيطرة الحوثيين على البلد، ومضيّها في هكذا جنون؟.

 

قطيعة

 

في السياق ذاته، تشكو الطالبة في كلية اللغات صبا السعدي، من آثار القطيعة المفرضة بين الطلاب والطالبات، وتقول، "يجري منعنا حتى من طلب الاستعانة العلمية من زملائنا الطلاب"، مشيرة إلى الأهمية التي يمثلها التواصل بين الجنسين داخل الجامعة، فإلى جانب كون التواصل سلوكا طبيعيا في الحياة؛ فهو أيضا ضرورة علمية وتشاركية بين الطلاب والطالبات في المرحلة الجامعية.

 

وتؤكد السعيدي في تصريح لـ"الموقع بوست"، أن الجماعة -من خلال السلوكيات القمعية تلك- تسعى لإفقار الحياة من عناصر ثرائها وحيويتها وصبغها باللون الواحد والثقافة الواحدة واعتقالها في نموذج أحادي، شمولي ومتطرف، وما جامعة صنعاء إلا أحد الميادين الكثيرة التي تسعى الجماعة لتفخيخها ككل شيء مرت عليه.

 

وبحسب السعيدي، فمن غير الممكن بناء حياة حضارية في ظرف محتقن كهذا، وهي لا تعوّل على شيء قد يغيّر الوضع طالما أن الجماعة باقية وتتمدد في مناحي الحياة كأخطبوط يكاد يلتهم كل شيء، فمن المترس إلى الجامعة والمدرسة تحيك شبكة سطوتها التي وصلت حتى إلى الحياة الشخصية للأفراد في مناطق سيطرتها.

 

انتقادات

 

لا تجد رئيسة قسم الصحافة في كلية الإعلام بجامعة صنعاء، الدكتورة سامية عبد المجيد الأغبري، أي مبرر منطقي لمنع الاختلاط داخل الجامعة، لا من الناحية الدينية ولا العُرفية.

 

وتستنكر الأغبري في مقال لها على "المشاهد نت" إجراءات الحظر، مشيرة إلى أن ذلك قد يُفضي إلى أثر سلبي احتكاما لقاعدة كل ممنوع مرغوب، إذ قد يدفع الطلاب والطالبات لتكثيف عمليات التواصل إلكترونيا وعقد لقاءات خارج أسوار الجامعة وفي المطاعم والكافيهات، وسوف يحدث ذلك كسلوك تعويضي مقابل حالة حظر الاختلاط داخل الجامعة، تقول. وعوض علاقة الزمالة الدراسية الأخلاقية ستتشكل علاقة قد لا تكون كذلك خارج أروقة الحرم الجامعي.

 

وترى الأغبري أن الزمالة الدراسية بين الطلاب والطالبات في الجامعة من أسمى العلاقات الإنسانية التي قد تُبنى في الحياة، انطلاقا من الأثر الذِكروي الذي تتركه في نفوس الطلاب بعد انتهاء المرحلة الدراسية، مؤكدة أن تلك الزمالة تقوم أساسا على الرُقي والاحترام المتبادل، ما يجعل من حظرها فعل غير مُبرر من الناحية الأخلاقية.

 

وتؤكد أن محاربة الحوثيين للعلاقة بين الطلاب والطالبات داخل جامعة صنعاء هو خطوة تمهيدية لعملية فصل أوسع بين الرجل والمرأة في الحياة العامة، مرجحة أن يتم منع الاختلاط بين الجنسين في مجالات العمل وفي وسائل المواصلات العامة ورحلات السفر مستقبلا، وذلك أمر كارثي وخطير.


التعليقات